أسباب انسداد قناة فالوب: الأسباب، المضاعفات، وطرق الفهم الطبي العميق
تُعد قناة فالوب أحد المكونات الأساسية في الجهاز التناسلي الأنثوي، وهي تلعب دوراً حيوياً في عملية الإنجاب، إذ تشكل الممر الذي تنتقل خلاله البويضة من المبيض إلى الرحم، كما تُعد الموقع الطبيعي الذي يتم فيه التقاء البويضة بالحيوان المنوي وحدوث الإخصاب. وبالتالي، فإن أي ضرر أو انسداد في هذه القناة قد يُعيق هذه الوظيفة الحيوية ويؤثر سلبًا على الخصوبة. انسداد قناة فالوب من الأسباب الشائعة للعقم الأنثوي، وقد يتطلب تشخيصاً دقيقاً وعلاجاً مناسباً تبعًا للمسبب الرئيسي.
في هذا المقال المطول، سيتم التعمق في فهم الأسباب الطبية الشائعة وغير الشائعة لانسداد قناة فالوب، وآلية حدوثها، وكيف تؤثر على الجهاز التناسلي الأنثوي، مع الإشارة إلى التداعيات الصحية المحتملة والمفاهيم المرتبطة بها.
التكوين التشريحي والوظيفي لقناة فالوب
قناة فالوب (Fallopian Tube) هي أنبوب رفيع وطويل يتصل من أحد طرفيه بالمبيض ومن الطرف الآخر بالجزء العلوي من الرحم. تتكون القناة من أربعة أجزاء رئيسية:
-
الجزء القريب (Interstitium): وهو الجزء المار في جدار الرحم.
-
البرزخ (Isthmus): الجزء الضيق القريب من الرحم.
-
الأمبولا (Ampulla): الجزء الأوسع حيث يحدث عادةً الإخصاب.
-
القُمع (Infundibulum): الطرف القريب من المبيض والذي يحتوي على زوائد تُسمى “خملات” تساعد في جذب البويضة بعد خروجها من المبيض.
يتطلب عمل هذه القناة بيئة مناسبة، ونسيجًا داخليًا سليمًا، ووظائف سليمة للأهداب (Cilia) التي تدفع البويضة نحو الرحم. أي انسداد أو ضرر في هذه المكونات قد يؤدي إلى تعطيل الوظيفة التناسلية.
الأسباب الرئيسية لانسداد قناة فالوب
1. العدوى التناسلية (PID – Pelvic Inflammatory Disease)
من أكثر الأسباب شيوعاً وراء انسداد قناة فالوب، وتحدث نتيجة عدوى بكتيرية تصيب الأعضاء التناسلية العلوية. تنتشر هذه العدوى عادة من المهبل أو عنق الرحم إلى الرحم وقناتي فالوب والمبيضين.
تشمل الكائنات الدقيقة الشائعة المسببة:
-
الكلاميديا (Chlamydia trachomatis)
-
النيسرية البنية (Neisseria gonorrhoeae)
تؤدي هذه العدوى إلى تهيّج القناة وتكوّن ندوب أو التصاقات تؤدي إلى تضييقها أو انسدادها الكامل. في بعض الحالات، تتطور العدوى إلى ما يسمى بـ”الأنبوب البوقي المليء بالصديد” أو الخرّاج البوقي (Tubal abscess).
2. الانتباذ البطاني الرحمي (Endometriosis)
تحدث هذه الحالة عندما تنمو أنسجة بطانة الرحم خارج الرحم، بما في ذلك على سطح قناة فالوب أو حولها. هذا النمو غير الطبيعي يؤدي إلى:
-
التهابات مزمنة
-
تكوّن نسيج ليفي والتصاقات
-
انسداد ميكانيكي للقناة
كما أن وجود أنسجة بطانة الرحم خارج الرحم قد يُشوّه البنية التشريحية الدقيقة اللازمة لتحريك البويضة داخل القناة.
3. العمليات الجراحية السابقة
خاصة في منطقة الحوض أو البطن، مثل:
-
جراحات استئصال الزائدة الدودية
-
الولادات القيصرية
-
جراحات إزالة أكياس المبيض
قد تُسبب هذه الإجراءات تكوّن نُدب أو التصاقات تُؤثر على قناة فالوب وتُعيق حركتها أو تسدّها.
4. الحمل خارج الرحم السابق (Ectopic Pregnancy)
يحدث الحمل خارج الرحم عندما تنغرس البويضة المخصبة في قناة فالوب بدلاً من الرحم. يؤدي ذلك غالباً إلى:
-
تمزق في جدار القناة
-
نزيف داخلي
-
تدخل جراحي لإزالة الحمل، ما يُفضي إلى ضرر دائم أو انسداد القناة المصابة
5. السلّ التناسلي (Genital Tuberculosis)
رغم ندرته في بعض المناطق، إلا أن السلّ التناسلي يُعدّ سبباً خطيراً ومزمنًا لانسداد قناة فالوب، خصوصاً في الدول النامية. يُهاجم هذا المرض الجهاز التناسلي الأنثوي ويُسبب تدميراً تدريجياً للأنسجة وتكوّن ندوب تؤدي إلى انسداد القناة.
6. تشوهات خلقية
بعض النساء قد يُولدن بتشوهات خلقية في قناة فالوب، مثل:
-
غياب القناة
-
انقسام القناة
-
ضيق خلقي في أجزاء من القناة
وتُكتشف هذه الحالات عادةً عند محاولة الحمل أو إجراء فحوصات العقم.
7. الأورام أو الكتل الحوضية
سواء كانت حميدة أو خبيثة، قد تؤثر الكتل أو الأورام في المبيضين أو الرحم على قناة فالوب من خلال الضغط عليها، ما يُسبب انسدادًا جزئيًا أو كليًا.
الجدول التالي يوضح أبرز الأسباب وآلية تأثيرها في القناة:
| السبب | الآلية المؤدية للانسداد | التأثير المحتمل |
|---|---|---|
| الأمراض المنقولة جنسيًا | التهابات مزمنة تؤدي إلى التصاقات | انسداد كامل أو جزئي |
| الانتباذ البطاني الرحمي | نمو أنسجة بطانة الرحم حول القناة | التواء أو انسداد ميكانيكي |
| العمليات الجراحية | تكوّن نُدب والتصاقات ما بعد الجراحة | تضييق القناة |
| الحمل خارج الرحم | تمزق أو تلف في جدار القناة | انسداد دائم في الطرف المصاب |
| السلّ التناسلي | تدمير ببطء لأنسجة القناة | انسداد ثنائي الجانب غالبًا |
| التشوهات الخلقية | خلل في بنية القناة | عقم دائم منذ الولادة |
| الأورام أو الكتل | ضغط خارجي على القناة | انسداد ضاغط |
كيفية تطور الانسداد وتأثيره على الخصوبة
انسداد قناة فالوب يمنع التقاء البويضة بالحيوان المنوي، مما يعيق حدوث الإخصاب الطبيعي. إذا كان الانسداد في جهة واحدة فقط، قد تظل الخصوبة ممكنة من الجهة الأخرى. لكن في حال انسداد القناتين، يكون الحمل الطبيعي شبه مستحيل، مما يستدعي اللجوء إلى تقنيات الإخصاب المساعد مثل التلقيح الصناعي (IVF).
علاوة على ذلك، قد يتسبب الانسداد في تراكم السوائل داخل القناة فيما يُعرف بـ”الاستسقاء البوقي (Hydrosalpinx)”، مما يُقلل من فرص نجاح التلقيح الصناعي ويُحدث التهاباً مستمراً في بطانة الرحم.
المضاعفات الصحية المحتملة
انسداد قناة فالوب لا يُؤثر فقط على الخصوبة، بل قد يتسبب في مضاعفات أخرى مثل:
-
الآلام الحوضية المزمنة
-
الدورات الشهرية غير المنتظمة
-
زيادة خطر الحمل المنتبذ
-
التصاقات في البطن تؤثر على وظائف الأعضاء المجاورة
كما أن تراكم السوائل والالتهابات المتكررة قد يؤدي إلى ظهور كتل حوضية خاطئة التشخيص على أنها أورام.
أهمية التشخيص المبكر
تشخيص انسداد قناة فالوب يعتمد على التاريخ الطبي، الفحص السريري، والفحوصات المتقدمة مثل:
-
الأشعة الملونة للرحم وقناتي فالوب (Hysterosalpingography)
-
تنظير البطن (Laparoscopy)
-
تنظير الرحم (Hysteroscopy)
-
الأشعة التلفزيونية المهبلية (Transvaginal Ultrasound)
التشخيص المبكر يُتيح الفرصة للعلاج في المراحل الأولى، قبل أن يتحول الانسداد إلى حالة دائمة تستدعي التدخل الجراحي أو الاعتماد الكامل على التلقيح الصناعي.
الخلاصة الطبية
انسداد قناة فالوب هو أحد الأسباب الرئيسية للعقم الأنثوي، وتكمن خطورته في كونه قد يكون غير عرضي لفترة طويلة. وتتنوع أسبابه بين العدوى المزمنة، الانتباذ البطاني الرحمي، العمليات الجراحية، الحمل المنتبذ، والسلّ التناسلي، إضافة إلى التشوهات الخلقية. كل هذه العوامل تؤدي إلى تغيّر في البنية التشريحية والوظيفية للقناة، ما يُعيق إتمام الوظيفة التناسلية الحيوية.
يُعد الفهم العميق لطبيعة هذه الحالة، وأسبابها المتعددة، عاملاً حاسماً في الوقاية والعلاج، وفي تقليل المضاعفات المرتبطة بها. كما يُسهم التشخيص المبكر والتدخل العلاجي الملائم في استعادة الأمل بالحمل الطبيعي في العديد من الحالات.
المراجع:
-
Mayo Clinic. “Blocked Fallopian Tubes.”
-
American Society for Reproductive Medicine. “Tubal Factor Infertility.”

